أرجو أن أوجه صوت لوم لعدد من الصحفيين من أصحاب الأقلام الرصينة والموثرة الذين لم يعطوا كثير إهتمام لخطاب رئيس مجلس السيادة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في 26 سبتمبر الماضي ، في تقديري أنه خطاب فوق العادة مثل تطلعات الشعب السوداني بأكمله أستطاع أن يعكس معاناته مع الحرب ومطالبه بالسلام وتطلعه لمواقف محترمة تليق بالمظمة الدولية وكافة الدول الحرة التي تتطلع شعوبها للعدالة والسلام والأمن ، إذ كيف يصمد العالم أمام الإنتهاكات المتجددة المرتكبة تجاه شعب السودان بواسطة قوات الدعم السريع المتمردة.. جراء حربها على السودانيين التي ابتدرتها في منتصف أبريل من العام الماضي بإنقلاب فاشل بسند إقليمي ودولي وتواطوء من بعض القوى السياسية الداخلية ، ذلك ياسادة لأن معركتنا معركة وطن وشعب كما تعلمون تتجاوز الأشخاص والكيانات والنظرة الضيقة للمشهد بكل إحتمالاته وحمولاته ، علي أية حال نحاول في هذا المقال أن نستعرض أبرز ما جاء في الخطاب وما أعقبه من تداعيات في محاولة لرسم مستقبل المشهد السياسي وربما العسكري في القريب العاجل ، فخامة الرئيس البرهان أكد خلال خطابه على أن السودان يُؤمن ويدعم دور الأمم المتحدة ويدعم إصلاح وتطوير عمل أجهزتها وخاصة مجلس الأمن لترسيخ التُعددية والأمن الجماعي وصيانة حقوق الإنسان ومواجهة تحديات المتعلقة بالإرهاب أو المناخ في هذا إشارة واضحة إلى أن السودان جزء من الأسرة الدولية يؤمن بما تؤمن به ويدعم خطواتها حول قضايا الأمن والسلام ومكافحة الإرهاب والتنمية المستدامة.، هناك إشارات ذكية حملها الخطاب ربما لإحراج المنظمة الدولية تجاه مايجري في السودان وهي تنامي التصرفات الإنفرادية خارج نطاق الأمم المتحدة بما يتنافى مع الميثاق والقانون الدولي وإستخدام وسائل وآليات الإكراه السياسي والإقتصادي لتحقيق أهداف سياسية تساهم بشكل رئيسي في زعزعة الإستقرار الأمني والسياسي والإقتصادي وإشعال الحروب وفي ذلك إشارة واضحة للتدخل الإقليمي والدولي في إشعال حرب السودان كذلك أشار الخطاب الي الإنتقائية وإزدواجية المعايير التي باتت السمة الغالبة في العلاقات الدولية ، وفي ذلك ملمح ذكي يؤكد على أن النظر إلى مايجري في السودان لا ينظر له العالم من منظور مصالح الشعب السوداني بقدر ما ينظر له من واقع مصالحه ، وهذا يعد وجه من وجوه الاستعمار الحديث الذي يجب عدم السكوت عنه.. كذلك تحدث الخطاب عن حجم التحديات والتآمر الذي يتعرض له السودان جراء حرب شنتها مجموعة تمردت على الدولة بدعم سياسي ولوجستي محلي وإقليمي والتي نتجت عنها جرائم إنسانية واسعة وفظائع وإنتهاكات في حق المواطنين بواسطة تلك القوات المتمردة ضد الشعب السوداني وكيان الدولة السودانية.، خارج الالتزام بالقانون الدولي للحروب التي تجنب المدنيين ويلات الحرب.، كذلك أشار الخطاب إلى تحدي هذه القوات المتمردة وداعميها للقوانين والإلتزمات الدولية دون الإكتراث من العواقب.، ورفضهم إعلان جدة الموقع بينها وبين الجيش السوداني في 11 مايو من العام الماضي، ورفضهم لقرارات مجلس الأمن بحظر توريد السلاح إلى دارفور..وعدم الإمتثال للقرار الخاص بالفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور .،كما نقل الخطاب تساؤل الشعب السوداني وحكومته عن لماذا لم تتخذ المنظومة الدولية إجراءً حاسماً ورادعاً حيال هذه المجموعة ومن يقف خلفها رغم كل الإدانات الصادرة بحقها والتي شاهدها العالم من إرتكاب لجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ،حيث يعد ذلك إزدواجية في المعايير ويعزز الإفلات من العقاب حيث أن المسآءلة سمة من سمات المنظمة الأممية بعد قتل عشرات الآلاف وتهجير ملايين السودانيين من مواطنهم ، كذلك في إشارة تحمل التمرد مسؤلية الانتهاكات أكد الخطاب على إن إستمرار الهجمات الممنهجة التي تقوم بها هذه المليشيا يزيد يومياً من معاناه المواطنين في السودان.، كما أكد الخطاب على التزام الحكومة بالاستمرار في سياسات تسهيل العمل الإنساني وحماية القوافل والطواقم الإنسانية والطبية وإلالتزام التام بالقانون الدولي الإنساني وإجراءات حماية المدنيين.، في تقديري الخطاب نجح في تقديم خارطة طريق لإنهاء الحرب في السودان تقوم على محورين الأول إنهاء العمليات القتالية من خلال إنسحاب القوات المتمردة من المناطق التي إحتلتها وشّردت أهلها وتجميعهم في مناطق محددة وتجريدهم من السلاح ليتمكن المواطنين من العودة إلى مناطقهم حيث يسهل وصول المساعدات إليهم وتفتح الطرق والمطارات. ،المحور الثاني عملية سياسية شاملة تعيد مسار الإنتقال السياسي الديمقراطي ووضع الحلول المستدامة التي تمنع تكرار الحروب والإنقلابات العسكرية.،كذلك أكد الخطاب على حرص الجيش السوداني الوفاء بإلتزاماته التي قطعها بعد ثورة ديسمبر في 2019م في تسليم السلطة لحكومة توافقية منتخبة.، من الواضح أن الخطاب قد فتح أبواب كثيرة لإيصال صوت السودانيين ومعاناتهم جراء الحرب إلى المنظمة الدولية.. هذا بجانب لقاءآت ثنائية أجراها الرئيس البرهان مع عدد من رؤساء الدول الصديقة والشقيقة.. تركيا،الكويت،روسيا، أفريقيا الوسطى، نيجريا وغيرها بجانب إقامة مؤتمر صحفي على هامش الجلسات شهده عدد من القنوات الفضائية والمراسلين والصحافة العالمية حيث كان الطرح خلاله واضحا لمايجري في السودان وشرح المخطط بكل أبعاده والدور المرجو من العالم لإدانة التمرد وداعميه.، وهذا ما أظهر بعدها ضمن التقارير والأخبار لدي كبريات الصحف والقنوات العالمية من تحقيقات استقصائية تجرم التمرد وداعميه وتفضح كثير من الانتهاكات والأدوار القذرة التي ظلت تقوم بها بعض دول الإقليم في حرب السودان.، حيث جاء ذلك واضحا في تقارير منظمة العفو الدولية، ومفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان. ،وعدد من الصحف العالمية ذات المصداقية العالية مثل نيويورك تايمز، واشنطن بوست، مجلة “إيكونوميست” البريطانية. على ضوء ذلك يرى المراقبون من أبرز تداعيات الخطاب الإيجابية والتي ربما سبقها تنسيق مشترك وتفاهمات جاء قرار الرئيس الامريكي جو بايدن بإعفاء السودان من العقوبات التي تفرض بموجب قانون حماية ضحايا الاتجار بالبشر الأميركي للعام 2000 للسماح باستمرار المساعدات بموجب بنود المساعدات التنموية.، هذه الخطوة التي عدها المراقبون من شأنها أن تعزز العلاقات الثنائية والمصالح المشتركة بين السودان والولايات المتحدة الأمريكية حيث أن القرار يؤكد على استمرار المساعدات و يعزز أهداف القانون كما أنه يصب في المصلحة الوطنية للبلدين.، الواضح أن أمريكا تتطلع للدخول للسودان في اليوم التالي من الحرب عبر استمارات ضخمة للمساهمة في إعادة الإعمار وإيجاد حظ من الموارد السودانية لذلك هذا القرار ربما يعد تمهيدا لهذا الدخول.، في جانب اخر لايقل أهمية اعلن وزير الخارجية السوداني حسين عوض، إن المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو، ومديرة الوكالة الأمريكية للتنمية، سامانثا باور، سيقومون بزيارة إلى بورتسودان في أكتوبر الجاري، بعد تعثرها في يوليو الماضى حيث أعلن المبعوث توم بيرييلو عن استمراره في البحث عن فرص أخرى للزيارة.، لاننسى أن هناك زيارة أيضا غدا الخميس للسودان يقوم بها الاتحاد الافريقي ممثلا في لجنة السلم والأمن الإفريقي.. عليه يظل وجه الحقيقة في التأكيد على أن كل هذا الحراك الإيجابي تجاه السودان مرتبط بخطاب السودان ومشاركته في إجتماعات المنظمة الدولية و بالتحركات الدولية الواسعة خلال الفترة الماضية التي ظلت تقوم بها الحكومة السودانية الي جانب إجراءات الحسم العسكري الواسعة التي يقوم بها الجيش على الأرض في جميع المحاور لدحر التمرد ، وطي ملف الحرب والانتقال لليوم التالي لأجل استعادة الأمن وتحقيق السلام الذي يتطلع له جميع السودانيين .
دمتم بخير وعافية.
Shglawi55@gmail.com