قُل “باع” لتضمن النجاة وربما لا تضمنها-وجه الحقيقة-إبراهيم شقلاوي

حتى تنجو منهم ، وربما لا تنجو ، يقولون لك “قل: باع” في إشارة إلى محاكاة الخراف وقطعان الماشية ، وهم يسوقونكم في طابور سير منتظم ، طويل بطول الأسى والألم والفاجعة التي عاشها إنسان السودان جراء الحرب التي اندلعت بعد فشل انقلاب المليشيا في الاستيلاء على السلطة بدعم إقليمي وإسناد محلي من بعض الأحزاب السياسية .

هكذا كان الإذلال لمواطني شرق الجزيرة الوافرين في سخاء والآمنين في دعة ، المدركين لقيم الدين وممسكات المجتمع ، الذين يسدون الطريق في أيام المسغبة والمرحمة والطمأنينة لأجل السقيا واللقمة الحلال والتبرك بإكرام الضيف . كانوا يعترضون المسافرين في الطرقات لتخفيف وعثاء السفر وكآبة المنظر ليقولوا لهم : بلادنا مأمنكم وموطنكم ودارنا داركم وعيشنا عيشكم . لكن للأسف من يدرك هذه الأخلاق وذلك الصمود وتلك الهيبة التي أوجفت المليشيا وطاشت عقلها ، فجاءت خائفة ترتجف تبحث عن السلاح ، لم تدرك أن هؤلاء القوم سلاحهم تقوى الله وإكرام الضيف والتنافس لأجل المكرمات والرحمات .

لا يملكون السلاح بمفهوم المليشيا ، وليتهم ملكوه ، ما كان تجرأ عليهم أحد ، وما كان تجرأ ذلك الذي هز الشيخ العالم المهندس الطيب الطاهر من لحيته في مشهد تستحي منه الملائكة ويخشى منه ذو الفطنة من غضب الله . مشهد أدمى القلوب وهزّ الضمائر الحية والميتة على السواء ، وكشف عورة التمرد وداعميه ، الذين في قلوبهم أكنة وفي آذانهم وقرا .

ذلك الشيخ المهندس الخبير الوطني الذي عرفته القيم ، وعرفه التاريخ ، وعرفه الناس وفياً لمهنته، باذلاً لأجلها كل خبراته التي اكتسبها من جامعات العالم ومؤسساته. نقلها لتلامذته في وفاء وحب ، متخصصاً في مجال الكهرباء والإدارة والجودة . عرفه أهل منطقته (السريحة) وفياً لهم كما عرفه أهل السودان في أصعب الظروف ، بالعمل الجاد والإنجاز وحب الخير للناس ، وصل ليله بنهاره تفانياً ونكران ذات .

ذلك الرجل السبعيني، المهندس الطيب الشيخ الذي ما حل في مكان إلا وحلت البركة نوراً وفتحاً وسلاماً . ذلك الشيخ الوقور المسبّح الذي ربما ما فعلوه به قدراً ساقه الله على يد ذلك المعتدي المدعو عمر شارون حتى يصحو ضمير العالم وتستيقظ الإنسانية من ثباتها تجاه الانتهاكات التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع في السودان .

كانت تلك الحادثة مبعث الألم ومحركاً لأهل القيم والدين في شتى البلدان الحرة ، حيث أدان الأزهر الشريف في بيان قاصد تلك الانتهاكات التي وقعت في قرى غرب الجزيرة وجنوبها وشرقها والتي راح ضحيتها المئات من الشباب والأطفال والنساء والشيوخ ، إلى جانب الجرحى والمفقودين . أكد الأزهر أن ترويع المدنيين الآمنين وقتلهم والانتقام منهم من أجل تصفية الحسابات يعد جريمة نكراء في حق الإنسانية ، ويعدها الدين الإسلامي من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر .

كما أدان ذلك السلوك المشين من البطش والتنكيل بالناس الدكتور علي القره داغي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين . وأيضاً علق على تلك الانتهاكات مفتي سلطنة عمان، أحمد بن حمد الخليلي، المرتكبة في ولاية الجزيرة في السودان على يد قوات المليشيا، حيث وصفها بأنها “خطة فرعونية ، تبّاً لمخططها ومنفذها” وأدانها أيضاً أحد أهم علماء الأمة الإسلامية الشيخ علي محمّد الصلابي، الكاتب والداعية الإسلامي من ليبيا الشقيقة والمتخصص في التاريخ والفكر الإسلامي وتفسير القرآن الكريم ، والذي شغل من قبل منصب الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين .

هذا فضلاً عن إدانات أخرى من هيئة علماء السودان، التي قالت إن مليشيا الدعم السريع ارتكبت جرماً وعدواناً لا مسوغ له ودعت أفرادها إلى وضع السلاح . بجانب إدانات العلماء والكتاب والمفكرين ، جاءت إدانات الصحفيين والناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي والأحزاب الوطنية . جميعهم استنكروا هذا الفعل الشنيع الإجرامي الذي يتنافى مع القيم السوية والدين . ووصف مراقبون هذا السلوك بأنه لا يصدر إلا من مريض بالشذوذ أو السادية ولا يعرف للدين حرمة أو للكبير وقارا .

فإن وجه الحقيقة يفضح هذه المليشيا التي نزع الله من قلوبهم الرحمة والحياء . لذلك كتب عليهم التيه ولفظتهم مجتمعاتهم لأن فيها من يدرك قيمة الإنسان وأهمية الأمن والأمان . أما هؤلاء فلا أرضاً قطعوا ولا ظهراً أبقوا . ولو قُدّر لهم حكم بلادنا لكان الآن جميعنا يهيم في الطرقات نقول : “باأأأع”؟!

دمتم بخير وعافية.

Shglawi55@gmail.com

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Exit mobile version